اطبع هذه الصفحة

الرئيسية » من ثمار العلماء والمواقع

أهمية العقيدة الإسلامية ووجوب معرفتها والدعوة إليها

 الموضوع: للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

 العقيدة الإسلامية:

العقيدة الإسلامية هي التي بعث الله بها رسله وأنزل كتبه وأوجبها على جميع خلقه الجن والإنس؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏‏.‏

فكل الرسل جاءوا بالدعوة إلى هذه العقيدة، وكل الكتب الإلهية نزلت لبيانها وبيان ما يبطلها ويناقضها أو ينقصها، وكل المكلفين من الخلق أمروا بها، وإن ما كان هذا شأنه وأهميته لجدير بالعناية والبحث والتعرف عليه قبل كل شيء، خصوصا وأن هذه العقيدة تتوقف عليها سعادة البشرية في الدنيا والآخرة‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا‏}‏‏.‏

ومعنى ذلك‏:‏ أن من أفلت يده من هذه العقيدة؛ فإنه يكون متمسكا بالأوهام والباطل؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال‏؟‏‏!‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ‏}‏ ، وبالتالي يكون مصيره إلى النار وبئس القرار‏.‏

والعقيدة معناها‏:‏ ما يصدقه العبد ويدين به‏.‏

فإن كانت هذه العقيدة موافقة لما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه؛ فهي عقيدة صحيحة سليمة تحصل بها النجاة من عذاب الله والسعادة في الدنيا والآخرة‏.‏

وإن كانت هذه العقيدة مخالفة لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه؛ فهي عقيدة توجب لأصحابها العذاب والشقاء في الدنيا والآخرة‏.‏

والعقيدة السليمة الصحيحة تعصم الدم والمال في الدنيا وتحرم الاعتداء عليهما وانتهاكهما بغير حق؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؛ فإذا قالوها؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم؛ إلا بحقها‏)‏ ‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل‏)‏ ‏.‏ رواه مسلم‏.‏

وهي أيضا تنجي من عذاب الله يوم القيامة؛ فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئا؛ دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا؛ دخل النار‏)‏ ‏.‏ وفي ‏"‏الصحيحين‏"‏من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله‏)‏ ‏.‏

والعقيدة الصحيحة السليمة يكفر الله بها الخطايا؛ فقد روى الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى يا ابن آدم‏!‏ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا؛ لأتيتك بقرابها مغفرة‏)‏‏.‏ وقراب الأرض‏:‏ ملؤها أو ما يقارب ملأها‏.‏ فشرط حصول هذه المغفرة سلامة العقيدة من الشرك؛ كثيره وقليله، صغيره وكبيره، ومن كان كذلك؛ فهو صاحب القلب السليم الذي قال الله فيه‏:‏ ‏{‏يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏}‏‏.‏

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في معنى حديث عتبان‏:‏ ‏"‏ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك؛ فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبتة ربه بقراب الأرض خطايا؛ أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض؛ فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوي‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏انتهى‏.‏

والعقيدة السليمة تقبل معها الأعمال وتنفع صاحبها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ .‏

وعلى العكس من ذلك؛ فالعقيدة الفاسدة تحبط جميع الأعمال؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏.‏

والعقيدة الفاسدة بالشرك تحرم من الجنة والمغفرة وتوجب العذاب والخلود في النار؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ‏}

والعقيدة الفاسدة تهدر الدم وتبيح المال الذي يملكه صاحب تلك العقيدة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ‏}‏ ‏.‏ وبالتالي؛ فالعقيدة السليمة لها آثار طيبة في القلوب والسلوك الاجتماعي والنظام العمراني‏.‏

فهناك فريقان كل منهما بنى مسجدا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فريق بنى مسجده بنية صالحة وعقيدة خالصة لله عز وجل، وفريق بنى مسجده لهدف سيئ وعقيدة فاسدة، فأمر الله نبيه أن يصلي في المسجد الذي أسس على التقوى، ونهاه أن يصلي في المسجد الذي أسس على الكفر والمقاصد السيئة؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}‏ ‏.‏

 وجوب معرفة العقيدة الإسلامية:

اعلموا -وفقني الله وإياكم- أنه يجب على كل مسلم أن يتعلم العقيدة الإسلامية؛ ليعرف معناها وما تقوم عليه، ثم يعرف ما يضادها ويبطلها أو ينقصها من الشرك الأكبر والأصغر‏:‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ‏}‏ ‏.‏ قال الإمام البخاري رحمه الله‏:‏ ‏"‏باب العلم قبل القول والعمل‏"‏، واستشهد بهذه الآية الكريمة‏.‏

قال الحافظ ابن حجر‏:‏ ‏"‏قال ابن المنير‏:‏ أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل؛ فلا يعتبران إلا به؛ فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏اهـ‏.‏

ومن هنا اتجهت همم أهل العلم إلى تعلم أحكام العقيدة وتعليمها، واعتبروا ذلك من أوليات العلم، وألفوا فيها مؤلفات خاصة؛ فصلوا فيها أحكامها وما يجب فيها، وبينوا ما يفسدها أو ينقصها من الشركيات والخرافات والبدع‏.‏

وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فليست مجرد كلمة تقال باللسان، بل لها مدلول ومعنى ومقتضى تجب معرفتها كلها والعمل بها ظاهرا وباطنا، ولها مناقضات ومنقصات، ولا يتضح ذلك إلا بالتعلم‏.‏

ولهذا يجب أن يكون لعلم العقيدة الصدارة بين المقررات المدرسية في مختلف المراحل، وأن تعطى من الحصص اليومية العدد الكافي، ويختار لها المدرسون الأكفياء، وأن يركز عليها في النجاح والرسوب، خلاف ما عليه غالب واقع الدراسات المنهجية اليوم؛ فإن علم العقيدة في الغالب لا يحظى بالاهتمام في تلك الدراسات مما يخشى من ورائه أن ينشأ جيل يجهل العقيدة الصحيحة، فيستسيغ الشركيات والبدع والخرافات، ويعتبرها من العقيدة؛ لأنه وجد الناس عليها ولم يعرف بطلانها‏.‏

ومن هنا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية‏"‏‏.‏

هذا؛ ويجب اختيار الكتب الصحيحة السليمة، التي ألفت على مذهب السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والمطابقة للكتاب والسنة، فتقرر على الطلاب، وتستبعد الكتب المخالفة لمنهج السلف؛ ككتب الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وسائر الفرق الضالة عن منهح السلف‏.‏

وإلى جانب الدراسة النظامية يجب أن يكون هناك دروس تعقد في المساجد، تدرس فيها العقيدة السلفية بالدرجة الأولى، وتقرأ فيها المتون والشروح؛ ليستفيد منها الطلاب وكل من حضر، ويكون هناك مختصرات مبسطة تلقى للعامة، وبذلك تنتشر العقيدة الإسلامية، إلى جانب ما يذاع في البرامح الدينية بواسطة الإذاعة، ويكون هناك برنامح مستمر تذاع من خلاله أحكام العقيدة الإسلامية‏.‏

ثم يجب أن يكون هناك اهتمام خاص بالعقيدة من جانب الأفراد، فيكون للمسلم مطالعات في كتب العقيدة، والتعرف على ما ألف فيها على منهح السلف، وما ألف على منهج المخالفين لهم، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره، وحتى يستطيع رد الشبه الموجهة إلى عقيدة أهل السنة‏.‏

أيها المسلم‏!‏

إنك حينما تتأمل القرآن الكريم؛ تجد فيه كثيرا من الآيات والسور تهتم بأمر العقيدة، بل إن السور المكية تكاد تكون مختصة ببيان العقيدة الإسلامية ورد الشبهات الموجهة إليها‏.‏

خذ مثلا سورة الفاتحة‏!‏

قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏"‏اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن‏:‏ فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها، وهي الله والرب والرحمن‏.‏ وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة‏:‏ فـ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏ ‏:‏ مبني على الإلهية، ‏{‏وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ ‏:‏ على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم يتعلق بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة؛ فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته، والثناء والحمد كمالان لجده‏.‏ وتضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها، وتفرد الرب تبارك وتعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل، وكل هذا تحت قوله‏:‏ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ ‏.‏ وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

ثم بينها رحمه الله بكلام مطول مفيد إلى أن قال‏:‏ ‏"‏قالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم؛ فـ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏:‏ توحيد‏.‏ ‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ ‏:‏ توحيد‏.‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏:‏ توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد‏.‏ ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏}‏ ‏:‏ الذين فارقوا التوحيد‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏غالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد؛ فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وتوحيده وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة وهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما فعل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏انتهى‏.‏

ومع اهتمام القرآن بشأن العقيدة الإسلامية؛ فإن أكثر الذين يقرءونه لا يفهمون العقيدة فهما صحيحا، فصاروا يخلطون ويغلطون فيها؛ لأنهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم، ولا يقرءون القرآن بتدبر؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

 الدعوة إلى العقيدة الإسلامي:

يجب على المسلم بعدما يمن الله عليه بمعرفة هذه العقيدة والتمسك بها أن يدعو الناس إليها لإخراجهم بها من الظلمات إلى النور؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ ‏.‏

والدعوة إلى العقيدة الإسلامية هي فاتحة دعوة الرسل جميعا؛ فلم يكونوا يبدءون بشيء قبلها؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏}‏ ، وكل رسول يقول لقومه أول ما يدعوهم‏:‏ ‏{‏اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ؛ كما قالها نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر الرسل عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين‏.‏

فيجب على كل من عرف هذه العقيدة وعمل بها ألا يقتصر على نفسه، بل يدعو الناس إليها بالحكمة والموعظة الحسنة؛ كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم، وإن الدعوة إلى هذه العقيدة هو الأساس والمنطلق؛ فلا يدعى إلى شيء قبلها من فعل الواجبات وترك المحرمات، حتى تقوم هذه العقيدة وتتحقق؛ لأنها هي الأساس المصحح لجميع الأعمال، وبدونها لا تصح الأعمال ولا تقبل ولا يثاب عليها، ومن المعلوم بداهة أن أي بناء لا يقوم ولا يستقيم إلا بعد إقامة أساسه‏.‏

ولهذا كان الرسل يهتمون بها قبل كل شيء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يبعث الدعاة يوصيهم بالبداءة بالدعوة إلى تصحيح العقيدة‏:‏

فعن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لما بعث معاذا إلى اليمن؛ قال له إنك تأتي قوما من أهل الكتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية‏:‏ ‏"‏إلى أن يوحدوا الله‏"‏-؛ فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة؛ فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم؛ فإن هم أطاعوك لذلك؛ فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏ ‏.‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏

فمن هذا الحديث الشريف، ومن استقراء دعوة الرسل في القرآن، ومن استقراء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يؤخذ منهج الدعوة إلى الله، وأن أول ما يدعى الناس إليه هو العقيدة المتمثلة بعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه؛ كما هو معنى لا إله إلا الله‏.‏

وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعث يدعو الناس إلى تصحيح العقيدة بعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام قبل أن يأمر الناس بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وترك المحرمات من الربا والزنى والخمر والميسر‏.‏

وهذا ما يدلنا دلالة واضحة على خطأ بعض الجماعات المعاصرة التي تنتمي للدعوة، وهي لا تهتم بالعقيدة، وإنما تركز على أمور جانبية أخلاقية وسلوكية، وهي ترى كثيرا من الناس يمارسون الشرك الأكبر حول الأضرحة المبنية على القبور في بعض ديار الإسلام، ولا تنكر ذلك، ولا تنهى عنه، لا في كلمة، ولا في محاضرة، ولا في مؤلف؛ إلا قليلا، بل قد يكون بين صفوف تلك الجماعات من يمارس الشرك والتصوف المنحرف، ولا ينهونه، ولا ينبهونه، مع أن البداءة بدعوة هؤلاء وإصلاح عقيدتهم أولى من دعوة الملاحدة والكفار المصرحين بكفرهم؛ لأن الكفار والملاحدة مصرحون بكفرهم ومقرون أن ما هم عليه مخالف لما جاءت به الرسل، أما أولئك القبوريون والمتصوفة المنحرفون؛ فيظنون أنهم مسلمون، وأن ما هم عليه هو الإسلام، فيغترون ويغرون غيرهم، والله جل وعلا أمرنا بالبداءة بالكفار الأقربين، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏ ؛ فما لم تصف صفوف المسلمين من الدخيل؛ فإنهم لن يستطيعوا الصمود في وجه عدوهم، ويحكى أن قبوريا رأى رجلا يعبد صنما أمامه، فأنكر عليه القبوري، فقال له عابد الصنم‏:‏ أنت تعبد مخلوقا غائبا عنك، وأنا أعبد مخلوقا ماثلا أمامي؛ فأينا أعجب‏؟‏‏!‏ فانخصم القبوري‏.‏ هذا وإن كان كل منهما مشركا ضالا؛ لأنه يعبد ما لا يملك ضرا ولا نفعا، إلا أن القبوري أغرق في الضلال وأبلغ في طلب المحال‏.‏ فيجب على الدعاة إلى الله أن يركزوا على جانب العقيدة أكثر من غيرها، ويقبلوا على دراستها وتفهمها أولا، ثم يعلموها لغيرهم، ويدعوا إليها من انحرف عنها أو أخل بها‏.‏

قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏.‏

قال الإمام ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏"‏يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ قل يا محمد هذه‏:‏ الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته‏.‏ سبيلي وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله‏:‏ تعالى وحده لا شريك له‏.‏ على بصيرة بذلك ويقين علم مني أنا ومن اتبعني؛ أي‏:‏ ويدعو إليه على بصيرة أيضا من تبعني وصدقني وآمن بي‏.‏ وسبحان الله يقول له تعالى ذكره وقل تنزيها لله تعالى وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه وما أنا من المشركين‏:‏ يقول‏:‏ وأنا بريء من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم مني‏"‏‏.‏ انتهى كلام ابن جرير‏.‏

فالآية الكريمة تدل على أهمية معرفة العقيدة الإسلامية والدعوة إليها، وأن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم من اقتدى به في ذلك واتصف بالصفتين‏.‏ العلم بالعقيدة، والدعوة إليها، وأن من لم يتعلم أحكام العقيدة ويهتم بها ويدعو إليها؛ فليس من أتباع الرسول على الحقيقة، وإن كان من أتباعه على سبيل الانتساب والدعوى‏.‏

وقال ابن القيم رحمه الله في معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏:‏ ‏"‏ذكر سبحانه مراتب الدعوة، وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو؛ فإنه‏:‏ إما أن يكون طالبا للحق مؤثرا له على غيره إذا عرفه؛ فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة وجدال‏.‏ وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق، لكن لو عرفه؛ آثره واتبعه؛ فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب‏.‏ وإما أن يكون معاندا معارضا؛ فهذا يجادل بالتي هي أحسن؛ فإن رجع، وإلا، انتقل معه إلى غير الجدال إن أمكن‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏انتهى كلام ابن القيم‏.‏

وبهذا تبين منهج الدعوة وما ينبغي فيها، وتبين خطأ ما تنتهجه بعض الجماعات المنتمية إلى الدعوة، وهي تخالف المنهاج السليم الذي بينه الله ورسوله‏.‏

 أصول العقيدة الإسلامية:

وهي ستة أصول‏:‏

- الإيمان بالله عز وجل

- الإيمان بالملائكة

- الإيمان بالكتب

- الإيمان بالرسل

- الإيمان باليوم الآخر

- الإيمان بالقضاء والقدر

اعلم أيها المسلم -وفقني الله وإياك- أن أصول العقيدة الإسلامية التي هي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة هي‏:‏ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره‏.‏

وهذه الأصول دلت عليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأجمعت عليها الأمة‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ‏}‏ ‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏}‏ ‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا‏}‏ ‏.‏

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏(‏الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتومن بالقدر خيره وشره‏)‏ ‏.‏

وهذه الأصول العظيمة -وتسمى أركان الإيمان- قد اتفقت عليها الرسل والشرائع، ونزلت بها الكتب السماوية، ولم يجحدها أو شيئا منها إلا من خرج عن دائرة الإيمان وصار من الكافرين؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا‏}، وهذه الأصول العظيمة والأركان القويمة تحتاج إلى شرح وبيان.

____________________

* انظر كتاب الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، للشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله.

 

 

   
 

 
 

  العودة إلى الخلف       

  اطبع هذه الصفحة

أضف هذا الموقع للمفضلة لديك