اطبع هذه الصفحة

الرئيسية » بحوث ومقالات الشيخ

إليكم شباب الإسلام ووصايا وتوجيهات

(الشباب وحصْرُ مصدرِ التلقِّي والاستدلال)

 الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. أما بعد: فإليكم يا شباب الإسلام، وعماد الأمة، وطريق العطاء، ومعقل البناء، وجيل النصر والتمكين، إليكم هذه الكلمات، وإليكم هذه الوصايا والتوجيهات، أقدِّمها لكم؛ عسى الله تعالى أن ينفع بها أنفسًا، ويَهدي بها قلوبًا، ويرفع بها هِمَمًا، فاسمعوا أيُّها الشباب المسلم، وخذوا من الكلام أطيبه، ومن الحديث أصحه وأثبته، وإنِّي لأوجز مقالي ورسالتي في نقاطٍ ومَحاور محددة إليكم، فأقول*:

ومِمَّا لا بد منه أيضًا -يا شباب الإسلام- في صحة المنهج وسلامته: "حصْرُ وضبط مصدرِ التلقِّي والاستدلال".

أهمية حصْرُ وضبط مصدرِ التلقِّي والاستدلال:

وأعني بهذا يا شباب الإسلام: أن يتحقَّق المسلم في منهجه ومتابعته وَفْق الكتاب والسُّنة، ومنهج وفَهْم سلف الأمة الصالح، في عقيدته وتوحيده، وفي عباداته ومعاملاته، وفي أخلاقه وسلوكه، وفي كلِّ شؤونه وأحواله، ونعني بحصر وضبط مصدر التلقي أمرين:

الأوَّل: حصر مصدر التلقِّي والاستدلال والتربية في الكتاب والسُّنة: بمعنى: أن يكونَ مصدَرُ ثقافتكم وفهمِكم، ومصدر منهجكم وعقيدتكم، وعبادتكم وأخلاقكم؛ هو الكتابَ والسُّنة، فلا نتلقَّف ثقافة مخالِفةً لشريعتنا، أو دخيلة من شرق أو غرب، ولا نتلقف ثقافة مشوبة بالبدع والأهواء، من فِرَق وأحزاب مختلفة، كما قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ` وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ` قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ` قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 123 - 126]. وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحشر: 7]. وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].

وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين". وروى التِّرمذي عن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: "ألاَ هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي، وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإن ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله". ولأبي داود: "ألاَ وإنِّي أُوتِيتُ الكتاب ومثله معه، ألاَ يوشك رجل شبعان على أريكته..."؛ الحديث. وفي خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم في "حجَّة الوداع" حثٌّ على التمسك بالكتاب والسنة؛ حيث قال: "وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا أمرًا بيِّنًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه"؛ رواه مالك.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من أحد أصحابه يومًا، وقال له كلامًا شديدًا؛ لأنَّه قرأ مصدرًا آخر غير القرآن الهادي، والسُّنة الراشدة، ففي الحديث عن جابر، عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث مِن يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: "أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكَت اليهود والنصارى؟! لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة، ولو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلا اتِّباعي"؛ رواه أحمد والبيهقيُّ في كتاب "شُعَب الإيمان"، وحسَّنَه الألباني. وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أتى النبِيَّ صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض الكتب، قال: فغضِب وقال: "أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة".

إذًا عليكم أن تعلموا أنَّ في حصر وضبط مصدرِ التلقِّي والتربية على الكتاب والسنة؛ تصحيحًا للمسار، وضبطًا للمنهج؛ ذلك أن الشباب اليوم يرى واقع الأمة الإسلاميَّةِ الأليمَ، ويرى تشتُّتَ الجهود، ويرى تكالب الأمم والأعداء علينا من كلِّ حدب، كما أنه يرى حوله عددًا من الأفكار والاتجاهات، والفِرَق والجماعات، والمناهج والتصوُّرات، ويرى أيضًا التناقض في قواعد التربية والتوجيه، ووسائل التربية والتعليم. فيقع الكثير منهم في شكٍّ وحيرة، واضطرابٍ في المنهج والتصوُّر، وتتعثَّر أقدامه، وتتأخَّر خطواته، وتَضْطرب اتِّجاهاته وأفكاره؛ وذلك لأنَّه لا يملك في نفسه منهجًا صحيحًا، يرشده ويقوِّمه، ولا يملك من العلم والإيمان والعقيدة رصيدًا كافيًا، يعرفه بغايته ورسالته، ولا من أين يبدأ، ولا مع من يكون، ومن هنا تزِلُّ قدمه، وتضطرب أفكاره، وتضيع منه معالِمُ الطريق الصَّحيح، إلى منهج الإسلام. فلا سبيل اليومَ - أيُّها الشباب - إلى تصحيح مسار الأمة الإسلامية، وبناءِ الجيل المسلم من جديد، ودَفْعِ تكالب الأمم الكافرة عنَّا، إلاَّ أن نأخذ منهج الإسلام مِن مصدره الأوَّل الصحيح، وأصله الأصيل، وأعني بذلك "الكتاب، والسُّنة"، كما قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الحشر: 7].

الثاني: مُوافقة منهج وفهم السلف الصالح، وما أجمعوا عليه من أصول الفهم والاستدلال: ومعنى هذا: أن التلقِّي من الكتاب والسُّنة يكون وفق منهج وفهم السَّلف الصالح؛ انطلاقًا من الصحابة رضي الله عنهم، ثم التابعين وتابعيهم بإحسانٍ، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى": "أحقُّ الناس بأن تكون هي الفرقةَ الناجية "أهل الحديث والسُّنة"، الذين ليس لهم مَتْبوع يتعصَّبون له إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمُهم تمييزًا بين صحيحِها وسقيمها، وأئمَّتُهم فقهاء فيها "وأهل" معرفةٍ بمعانيها، واتِّباعًا لها، تصديقًا وعملاً، وحبًّا، وموالاةً لمن والاها، ومعاداةً لمن عاداها، الذين يَرْوُون المقالات المُجْملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة؛ فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرَّسول؛ بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه".

وقال العلاَّمة بكر أبو زيد -رحمه الله-: "كن سلفيًّا على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم ممن اقتفى أَثَرَهم في جميعِ أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونَحوها، متميزًا بالتزام آثارِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع، قال الذهبي: "وصَحَّ عن الدارقطني أنَّه قال: ما شيء أبغض إلَيَّ من علم الكلام، قلت: لم يدخل الرجل قطُّ في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفيًّا"؛ انتهى. 

فلا يكفينا اليومَ متابعةُ الكتاب والسُّنة دون ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم؛ وذلك لعدَّة أمور مهمة:

أوَّلاً: لأن كل الفِرَق المنسوبة للإسلام اليوم تحتجُّ علينا بالكتاب والسنة، فإذا أردتَ تأصيل منهجٍ أو ردَّ بدعة أو مخالفةٍ ليس لها من الأدلة والنصوص ما يشهد لها أو يثبت شرعيتها، وجدنا هنا أصحابها يُوردون لنا من الأدلَّة وعمومياتها ما يُثبت صحَّة طريقتهم ومنهجهم في الدَّعوة إلى الله تعالى، أو يثبت صحَّة مذهبهم ومعتقداتهم التي يريدون لها أتباعًا وأنصارًا. إذًا لا بدَّ من حُكْم فصل يَحْسم مسار الدعوة ومنهجها، ويقوِّم مسيرتها، إنَّه - ولا ريب - مسلك الصحابة رضي الله عنهم ومن تبِعَهم بإحسان من أهل القرون المفضَّلة الأولى، وهذا كما ذكرنا من قبل له من الشواهد والأدلة والبراهين من نصوص القرآن والسُّنة الكثير بحمد الله تعالى، وحسْبُنا أن نورد هنا بعضًا منها:

• فقد أوجب الله تعالى في القرآن اتِّباعَ الصحابة رضوان الله عليهم، ولزومَ طريقتهم، وتوعَّد مَن يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 117]، فهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلاَّ الصحابة؟ وقد دلَّت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين، والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلَكوه.

ولِهذا جعلَهم النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الميزان الحقَّ حين وقوع الفِتَن والافتراق في أمته، كما جاء في الحديث المحفوظ المشهور؛ حديث الافتراق الذي وقعت فيه الأمم، والذي يقول فيه النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وفي بعض الروايات: ((هي الجماعة))؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مُسْلم.

• وقال أيضًا سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 137]، وهذا دليل صريحٌ في أن الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، هو الهُدَى والحقُّ، ومن اهتدى به فإنه على هُدًى من ربه، وعلى صراطٍ مستقيم، فالصحابة هم المعنِيُّون بما في الآية أولاً، ثم من سار على درْبِهم، واقتدى بهم من بعدهم ثانيًا.

• وكذلك تزكية النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم، حيث قال: ((خير الناس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه))؛ متفق عليه، فهذه الآيات والأحاديث دليلٌ على أنَّهم كانوا على الخير والهدى والرشاد، وأنَّهم أهلٌ للاقتداء والاتِّباع.

• وروي أيضًا عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، أنه قال: "اتَّبِعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفِيتم، كل بدعة ضلالة"، وقال الأوزاعيُّ: "اصبر نفْسَك على السُّنة، وقِفْ حيث وقفَ القوم، وقُل بما قالوا، وكُفَّ عما كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلَفِك الصالح؛ فإنه يسَعُك ما وسِعَهم".

• وكان الحسن البصريُّ في مجلس كما يروى عنه، فذُكِر أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: "إنَّهم كانوا أبَرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فإنَّهم ورَبِّ الكعبة على الهدى المستقيم".

ثانيًا: لأنَّ الطريق إلى وحدة الأمة الإسلامية، والوقوف أمام المدِّ الجارف من كيد أعدائها، وتربُّصهم بها، وكذلك الطريق إلى عصمتها من البدع والأهواء الناشئة من الفرق والجماعات، إنَّما يكون بالتمسك والاعتصام بالأصول والثوابت العاصمة من التفرُّق والتشرذم في شريعة الإسلام، وهذا أمر مقرَّر شرعًا وعقلاً؛ فالأصول في شريعتنا متَّفق عليها بين أهل السنة والجماعة، ولا خلاف فيها، وإلاَّ صار تفرقًا مذمومًا. فأمَّة النبي صلى الله عليه وسلم متفقة على أن اتِّباع الصحابة من الأصول الثابتة بنصوص الوحيَيْن المعصومين؛ الكتاب والسُّنة كما أسلفنا آنفًا، كما أنَّ عمدة نقل الشريعة موقوفٌ عليهم؛ فهم الذين نقلوا لنا القرآن بالقراءات المتواترة الثابتة الصحيحة، وهم الذين علَّموها ونشروها بين الخلق، وكذلك هم الذين كانوا أوَّلَ من تكلم بعد النبِيِّ صلى الله عليه وسلم في بيان وتفسير كلام الله تعالى؛ وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، من أمثال سيدنا عبد الله بن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما، ووقفوا على بيان أحكامه وأسراره، وآدابه، وشريعته.

ثالثًا: لأنَّ الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ ليسوا مَعْدودين من أصحاب الفرق والمذاهب، ولا حتى الجماعات؛ لأنَّهم في الأصل هم الأمَّة، فكلهم حِزْب واحد، سَمَّاه الله تعالى في كتابه: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ [المجادلة: 22]، وجعَلهم سبحانه وتعالى ضِدًّا وندًّا لحزب وعسكر الشَّيطان، وعسكر الجاهلية الشركيَّة إلى يوم القيامة؛ فالمؤمنون كلُّهم حزب واحد؛ إنَّه حزب الله تعالى، ويَدٌ واحدة، وجماعة واحدة، كما ورَد أن: "المسلمين أمَّة من دون الناس"، فهم الجماعة المقصودة في الأحاديث النبويَّة، وهم يدٌ على من سِواهم من الناس، فلا يعدُّ الصحابة فرقةً من الفرق، ولا جماعة من الجماعات إلاَّ أنَّهم جماعة المسلمين، وقائدهم ومعلِّمُهم نبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.

إذن فأولى الناس بهذا الاتِّباع هم أهل السُّنة والجماعة الذين تميَّزوا عن سائر فِرَق أهل البدع والأهواء بصفاء عقيدتهم، وصحة منهجهم، ووضوح أصولهم، فأهل السُّنة اليوم هم في خندق حقيقيٍّ كبير، وحربٍ ومكائد مختلفة المشارب، فأهل الكُفر أعداءٌ لهم، وأصحاب الفرق والضَّلالات والبدع كذلك أعداءٌ لهم.

بل وهناك من بني جِلْدتهم من هم أعداء لهم! وباسم الكتاب والسُّنة يتكلمون، والعلمانيُّون والليبراليون والشيوعيون والمنافقون أعداءٌ لهم، وهكذا وقف الكلُّ لهم بالمرصاد يناصبهم العداء، ويكيد لهم الحقد والمكر، والله تعالى من ورائهم محيط.

* قاعدتان في الفرق والجماعات:

وهنا - أيُّها الشباب - نبيِّن هاتين القاعدتين اللَّتين طالما نبَّهتُ عليهما كثيرًا، وهما في الأصل يهدمان في الجملة كلَّ الفرق والمذاهب التي خالفَتْ سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، وخالفت منهجهم إلى يوم القيامة جملة أو تفصيلاً، في طريقة التلقِّي ومنهج الاستدلال:

القاعدة الأولى: أن كلَّ فرقة من الفرق البدعية، وجماعةٍ من الجماعات اليومَ لها بدايةُ مَنْشأ وتأسيس، ولها تاريخٌ، ومؤسِّسٌ صاغ لها المنهج والتصوُّرات، ووضع لها الأصول والقواعد، وجمع لها الأدلَّة والشواهد لإثبات صحَّة مذهبه وطريقته، كما فَهِم هو من الإسلام، وأهلُ السُّنة والجماعة ومن سار على طريقهم ليسوا كذلك.

فالخوارج على سبيل المثال؛ لهم مبدأٌ وتاريخ، وكذلك المعتزلة والرافضة، والجهميَّة والقدرية، والأشاعرة والصوفيَّة المنحرفة والمبتدعة، كل هذه الفِرَق لها مؤسِّس أو منظر، ولها تاريخٌ نشأَتْ فيه وتكونت في مسيرة تاريخ الإسلام الكبير.

حتَّى الجماعات الدعويَّة المعاصرة فيها بعض وَجْهُ شبَهٍ بتلك القاعدة أيضًا، كالإخوان المسلمين والتَّبليغ والدعوة، والجماعة الإسلامية، وغيرها، مع فارق التوجُّه بينهم وبين فرق أهل الضلال والبدع السابق ذِكْرُهم في الجملة، في كثيرٍ من المسائل والفروع، إلاَّ أن لهم بدايةً وتأسيس، وهذا ما أردتُ بيانه هنا، والتأكيد عليه.

أمَّا الصحابةُ الأخيار فليسوا كذلك، ولا هم من أهل هذا الطريق؛ لأنَّهم وقفوا عند قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].

فالصحابة ليسوا فرقة من الفرق، ولا جماعةً من الجماعات، وليس لهم فكرٌ ومنشأٌ ومؤسِّس، إنَّما هم جماعة المسلمين الأم التي لا تَقْبل التفرُّق داخل صفوفها، إنَّهم أهل الإسلام الذي أقاموا شريعته حقَّ إقامته، وهم أتباع النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم المسلمون حقًّا وصدقًا إلى يوم الدين.

القاعدة الثانية: أنَّ أصحاب الفرق والمذاهب لا يجعلون الدَّليل والنصَّ مذهبهم، يسيرون معه حيث سار، ويقفون معه حيث وقف، كلاَّ، بل هم على خلاف ذلك، فهم يجتهدون ويُؤوِّلون، ويجمعون من الأقوال والآراء ما يرَوْن أنه الحقُّ والصواب، ثم يَجْمعون له من الأدلَّة والشواهد والنصوص ما يؤيِّد قولَهم ومذهبهم، ولو خالفوا فيه الكتاب والسُّنة! وهذا جليٌّ واضح، ولهذا لا يتغيَّرون عن أقوالهم، ولا أقوال أئمَّتِهم وأدلتهم، ولو طال بهم الزَّمان، إلاَّ أن يرَوْا في ذلك قوَّة ومصلحة لهم، فهم على قاعدة: "تَمَذْهب ثم استدِلَّ".

وهذا ولا ريب؛ مُخالف لما كان عليه الصحابة والسَّلف رضي الله عنهم جميعًا، فلقد نقل عن الأئمَّة الأربعة قولهم في هذا المعنى: "إذا خالف قولي أو مذهبي الحديثَ الصحيح، فاضربوا بقولي عُرْضَ الحائط"، فجعلوا الحديث والدليل هو عُمدتَهم ومذهبهم، إذا صحَّت النِّسبة فيه والسَّند، فساروا مع الدليل، ولهذا كان للإمام الشافعي -رحمه الله- مَذْهبان؛ القديم في العراق، والجديد في مصر، وجمع فيه كتابه "الأُمَّ" المشهور المعروف، والإمام أحمد كان له في المسألة قولان، وربما ثلاثة، وكثيرٌ على هذا الطريق من الأئمة والعلماء.

فيا أيها السالكون: هذا هو طريق الدعوة إلى الله؛ المنهاج واضح، والطريق لائح، والحادي صائح، فهل أنتم متَّحِدون؟ وهل أنتم حقًّا في الإسلام راغبون؟ فإن كان الجواب: نعم، فلِمَ الاختلاف والتناحر؟ ولم الصياح والتشاجر؟! فهل أنتم معتصمون؟

_________________________

* من كتاب: إليكم يا شباب الإسلام، للشيخ عاطف الفيومي.

 

   
 

 
 

  العودة إلى الخلف       

  اطبع هذه الصفحة

أضف هذا الموقع للمفضلة لديك