اطبع هذه الصفحة

الرئيسية » بحوث ومقالات الشيخ

وجوب العودة إلى منهاج الكتاب والسنة

 الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. أما بعد: فمما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية اليوم في حاجة ماسة إلى الهداية الصادقة إلى معالم الشرع الحنيف الذي أراده الله تعالى، وإن بداية الهداية لهذه الأمة تكمن أولًا في العودة الجادة إلى هدي الكتاب والسنة، والاعتصام بهما على هدي السلف الصالح الأول، فمتى عدنا إلى الكتاب والسنة فزنا وأفلحنا، ومتى أعرضنا عنهما ضللنا وشقينا، وما كل ما يحدث لنا اليوم إلا من جراء الصد والإعراض والبعد عن هدى الوحيين الصافيين كما قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123-126]، ولهذا فإن العودة إلى هدي الكتاب والسنة في كل مجالات الحياة ليست تطوعًا ولا نفلاً نتقرب إلى الله بأدائه، كلا، بل هذه العودة هي أمر واجب على كل مسلمٍ مكلفٍ بالغٍ عاقلٍ رجلاً  كان أو امرأة.

وقد روي عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه قال: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، فلنكن على يقينٍ كامل، وثقةٍ مؤكدة، أنه لا عز لأمتنا ولا نصر لها ولا كرامة إلا بهذه البداية، وإلا بهذه العودة الجادة الصادقة إلى الله سبحانه، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فلنسرع الخطى بالعودة إلى القرآن والسنة، وإلى الاستجابة لأحكامهما، والتمسك بهما، فإن فيهما الخير والصلاح والهداية لنا إذا أردنا ذلك.

إن الكتاب والسنة أصلان كبيران لهذا الدين العظيم، لأنهما ركن من أركان الإيمان، فمن كفر بالكتاب أو بالسنة، وأعرض عنهما، في القول والاعتقاد ووجوب العمل بهما! فقد كفر بالإسلام كله، فعلى كل مسلم أن يؤمن بالكتاب والسنة حق الإيمان، ويعظمهما حق التعظيم، ويجلهما ويعتقد وجوب العمل بما فيهما من الشريعة والأحكام، وقد قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى  الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، كما أنه يجب على كل مسلم أن يذعن لله ورسوله، ويعتقد وجوب التزام الكتاب والسنة، ووجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأعماله وأوامره، كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [سورة النساء: 65].

فالذي أمرنا بالطهارة والوضوء عند كل صلاة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، هو الذي أمرنا بالحكم بما أنزل الله في جميع شئون حياتنا، مع الخضوع له، والتحاكم إليه، والإعراض عن كل تشريع يخالفه بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49]، وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، وقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، وقوله سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]، وقوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

والذي أمرنا بالصيام بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، هو الذي أمرنا بالقصاص بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178].

والذي أمرنا بالزكاة بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، هو الذي أمرنا بترك التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275]، وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188].

والذي أمرنا بالحج وقصد بيته الحرام وزيارته والطواف به بقوله: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97]، هو الذي أمرنا بترك عبادة الأصنام والأموات وتعظيمها بقوله: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف:194].

والذي أمرنا بالعبادة والركوع والسجود له وفعل الخير بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، هو الذي أمرنا بترك موالاة الكافرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ} [المائدة: 51]، وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13].

والذي أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، هو الذي أمرنا بطاعته وعدم الخروج عن سنته وشريعته بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ} [الحشر:7]، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]. وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].

والذي أمرنا بحسن العشرة مع النساء والأزواج بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:19]، هو الذي أمر المرأة المسلمة بالحجاب والاحتشام وعدم التبرج بالزينة، والقرار في البيت إلا لمصلحة أو ضرورة معتبرة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب: 59]. وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]. وقال سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].

فالعودة للإسلام تعني كلَّ الإسلام، فليس للإنسان أن يقف من الإسلام موقفَ الانتقاء والاختيار؛ فيأخُذَ ما يشاء، ويدَع ما يشاء، ويَقبل ما يشاء، ويَرُدَّ ما يشاء، كلاَّ، إنَّما الإسلام يُؤخَذ كلُّه جملةً واحدة، بلا تبعيض، ولا تفريقٍ بين أصوله وشرائعه وأحكامه، كما قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85]، وقال تعالى أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]؛ أيْ: في الإسلام جميعًا.

لأنَّ الإسلام دينٌ شامل كامِل، لكلِّ مناحي الحياة البشرية، وفيه السَّعادة لِمَن سلك الطريق إليه، وأذعن له، وآمن به، فهو دينُ عقيدةٍ وإيمان، ودينُ معاملاتٍ وأخلاق، ودينُ سياسةٍ واقتصاد، ودينُ ثقافةٍ وعلوم، ودين دنيا وآخرة، ليس فيه نقصٌ في أيِّ جوانبه، وليس فيه قصورٌ في أحكامه وتشريعاته، وليس فيه تغليبٌ لِجانبٍ على جانب، كلاَّ؛ إنه دينُ الشُّمولية الواسعة، والوسَطِيَّة الهادية، والعقيدة الصَّحيحة، والعبادة المُزَكية، والأخلاق الكاملة، فمن أراد السعادة استمسك بِحَبله، واعتصم بمنهاجه كما أخبر سبحانه بقوله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]، وقولِه تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

ومن هنا فإن الواجب على المسلم رجلًا كان أو امرأة أن يعلم العلم اليقيني بوجوب التقيد في كل حركةٍ من حركاته، وسكنةٍ من سكانته، ونفسٍ من أنفاسه بالكتاب والسنة التي جاء بها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد حضت نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسنة على وجوب الالتزام بهما، والعمل بأحكامهما، فمن آيات القرآن في ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال:20]، وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ} [الحشر:7]، وقوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 32].

أما من نصوص السنة النبوية؛ فقد روي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: «أحسن الحديث كتاب الله, وأحسن الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين».

وروي الترمذي عن المقدام بن معد يكرب رفعه: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني,وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله, فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه, وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله». ولأبي داود: «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته». فذكر الحديث.

وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع حث على التمسك بالكتاب والسنة، حيث قال: «وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا, أمرًا بينًا، كتاب الله, وسنة نبيه». رواه الحاكم، وذكر النصوص في ذلك أمر يطول إيراده فلنكتفي بما أردنا إيضاحه وبيانه، وبالله التوفيق.

إذًا فالإسلام في البداية والنهاية هو التسليم التام للكتاب والسنة، والكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء مما يحتاجه المكلف، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وقال سبحانه وتعالى: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} [يوسف:11]، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل:44].

وذلك أن القرآن والسنة فيهما كل ما يهم الناس في صلاح معاشهم ومعادهم، عقيدة وعبادة وسلوكًا ومعاملات، على المستوى الفردي والجماعي، والمحلي والعالمي، وذلك في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والحربية وغيرها، وقد بينا ذلك في كتابنا: «مجالات الدعوة في القرآن وأصولها»، وفصلنا جملة من النصوص القرآنية التي تدعو إلى شتى هذه المجالات الإنسانية والعقائدية والتشريعية والأخلاقية فليراجع في مكانه.

إذًا فالقرآن تبيانٌ لكل شيء، وهذا التبيان القرآني قد يكون بالنص والتصريح، وقد يكون بالإشارة والتلميح، وهذا الأمر ضمن للقرآن استمرارية العطاء للبشرية، وصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، فليس بعده دين يكمله أو ينسخه، كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3].

*   *   *

أسباب العودة إلى الكتاب والسنة:

وإذا كنا ننادي الأمة الإسلامية عامة، والفرد المسلم خاصة، ونطالبه بالرجوع إلى هدي الكتاب والسنة، والتمسك والاعتصام به قولاً وعملاً، وتوحيداً واتباعاً، وقوة واقتصادًا، وحكمًا وتشريعًا، فإن هذا لعدة أسباب مهمة وأصيلة، من أهمها:

السبب الأول: أن التمسك بالكتاب والسنة، والعودة إليهما، وتحكيمهما في كل شئون حياتنا هو أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، وقد بينا هذا آنفًا، وقد قال تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ} [الحشر:7]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]، وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وقال تعالى أيضًا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 32].

وفي الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي». قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي» رواه البخاري، وروي عن مالك -رحمه الله-، أنه قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

السبب الثاني: أن منهاج الكتاب والسنة هو المنهاج الرباني الوحيد الكامل المحفوظ من كل تغيير أو تبديل أو تحريف، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر9]. كما أنه يتسم بالشمولية والكمال، لكل  مناحي الحياة الإنسانية، والوفاء بالاحتياجات البشرية كلها، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ... الآية} [المائدة:3].

السبب الثالث: لإزالة شبهات الطاعنين وردها، وذلك نظرًا لأن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به كل الرسالات والشرائع السماوية، وكان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض، فإنه بصفة خاصة يتعرض أكثر من غيره لإثارة الشبهات حوله، والطعن في أصوله وثوابته، خاصة في القرآن والسنة، وكذلك الطعن في ناقلي هذا العلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعيهم بإحسان، وما ذاك إلا لأن القرآن: {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:48].

والشبهات التي تثار ضد الإسلام منذ كان وحتى اليوم إنما هي شبهات واهية ضعيفة مكررة، ولا تختلف مع بعضها إلا في الصياغة والأسلوب، أو محاولة إعطائها صبغة علمية زورًا وبهتانًا والعلم منها براء، وقد نهض مفكرو الإسلام وعلماء السنة بالقيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات وتفنيدها، وكشف زيفها وضعفها، كل بطريقته الخاصة، وبأسلوبه الذي يعتقد أنه هو السبيل الأقوم للرد والبيان.

السبب الرابع: أن الأمة الإسلامية في الواقع المعاصر اليوم في بعض البلاد الإسلامية والعربية، قد جربت الكثير من مناهج ومذاهب الضلال المعاصرة، كالاشتراكية والبعثية والليبرالية والعلمانية والديمقراطية وغيرها، وفتحت باب الشهوات على نفسها، وأعرضت عن تحكيم هدي الكتاب والسنة، وخلفت الأخلاق والقيم وراء ظهرها، إلا القلة القليلة ممن رحم رب العالمين، حتى أصبحت اليوم تحيا مرحلة حرجة من مراحل التاريخ، وتعيش في الوقت ذاته واقعًا مريرًا، وتحيا حياة الذل والهوان والاستكانة، وترضخ لما يُملَى عليها من أعوان الكفر والإلحاد من كلِّ أمة، ومن كلِّ جنس ولون، ولا تزال أمَّتنا تأكل فتات الموائد العالمية، ولا زالت أيضًا هي القصعة المستباحة لكلِّ الأمم من الشرق أو الغرب؛ من الشيوعية المادية الملحِدة، والصهيونية العالمية الماكرة، والصليبية الجديدة الخادعة، وغيرهم من العملاء والأذناب.

كما أخبر بذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، منذ ألف وأربعمائة وأربعين سنة، في حديث القصعة المشهور، الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، من حديث ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يوشِك أن تداعَى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تداعَى الأكلة على قصعتها». قلنا: يا رسول الله، أمن قلَّة منَّا يومئذ؟ قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تُنزَع المهابة من قلوب عدوِّكم، ويُجعَل الوهن». قالوا: وما الوهن؟ قال: «حب الحياة، وكراهية الموت».

وهي في الوقت ذاته أمَّةٌ شاردة عن رسالتها، غافلةٌ عن غايتها، حيث تتخبَّط ذات اليمين وذات الشمال، وعدوُّها باسِط إليها ذراعيه بالفِتَن والشهوات، حتى صارت ممزَّقة فيما بينها، مزَّقتها الحدود والسدود والقيود، ومزَّقتها مؤامرات الأعداء المخطَّطة للنَّيْلِ منها، وأصبح بأسُها بينها شديدًا، وحالها لا يخفى على قريبٍ أو بعيد.

ومن جهة أخرى فإنَّ وجود العلمانية الغربية وقوانينها الوضعية في حكم بلاد الإسلام! قد أدَّى بالأمَّة إلى الفرار! ولكن إلى مستَنْقَع الفاحشة والعُرْي والزِّنا، والفرار إلى الخنا والإباحيَّة، والإسفاف بالأخلاق والتميُّع بالقِيَم! فماذا حصدت الأمة من وراء ذلك؟

ما حصدت إلاَّ ضياع الأعراض، وانتهاك الحرُمات، وفساد الأخلاق وانحلالها، وانتشار الفواحش والعُرْي علَنًا، وتمرُّد الأجيال، وانتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة؛ كالزُّهري والسَّيَلان المنَوِي، وأخطرها مرض الإيدز المُدمِّر، والذي لا يزال الطِّبُّ الحديث عاجزًا عن معرفة طُرُق الشِّفاء منه.

وفَرَّت الأُمَّة كذلك إلى التعامل الرِّبَويِّ وإعلان الفوائد المحرَّمة، والإسهام في البورصات العالمية والاستثمارية! فما حصدَتْ إلاَّ انتشار الفقر والبطالة بين الأجيال المتلاحقة، وما حصدت إلاَّ انتشار الفساد الاقتصادي، والسرقة المُعْلَنة في مقدَّرات الأُمَّة وثرواتها وممتلكاتها.

وفرَّت الأمَّة أيضًا إلى تحكيم القوانين الوضعيَّة المستوردة! فما حصدت إلاَّ ضياع نعمة الأمن والأمان، وظهور الحرام بكلِّ صُوَره وأشكاله، من أَخْذِ الرِّشوة، والسرقة، وشهادة الزور، وأكل الرِّبا، وأكل أموال الناس بالباطل.

وما حصدت إلاَّ استعباد الأُمَم الكافرة لها، وتحكُّمها فيها، وإدارة شؤونها وحياتها ومقدَّراتها، والعبث بِأَمْنِها وأخلاقها وعقيدتها، حتى صارت الأُمَّة قَصْعة مستباحة لكلِّ أحد، وغنيمة مُشْبِعة، ولعبة مسلِّية بأيدي العابثين، فهي أمَّةٌ تلعب في أشهر الملاعب العالمية، وترقص على أشهر وأرقى المسارح العالمية أيضًا.

هذه بعض الثِّمار المُرَّة للعلمانية المعاصِرَة في العالم الإسلامي، فضلاً عن آثارها وجراحها في العالَم الغَرْبي والأوربِّي نفسه، والتي لا طريق للخلاص منها إلاَّ بمنهج الله تعالى وشريعته، ولهذا يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق -رحمه الله تعالى-: «إنَّ البحث عن هويَّة أخرى للأمة الإسلاميَّة خيانةٌ كبْرى، وجناية عظمى».

ويقول الدكتور عماد الدين خليل: «في ظلال المجتمع العلماني يتمزق الإنسان بناء على تمزق مصيره، وتزدوج شخصيته اعتماداً على الثنائية التي اصطنعها بين المادة والروح، والجدران التي أقامها بين تجربتي الحس والوجدان، والجفاء الذي باعد به زيفاً بين عالمي الحضور والغياب، بين ما هو قريب ومرئي وما هو بعيد لا تراه العيون، والتصور الذي يصدر عنه ذلك الإنسان لا يوائم بحال بين العلاقات المعقدة المتشابكة التي تحكم الكون والعالم والحياة، بل هو تصور يفصل بالقسر والعناد بين هذه العلاقات جميعها، يمزقها تمزيقاً، ويعمل فيها تقطيعاً وتشويهاً، فتغدو طاقات الكون والإنسان والحياة وما بينها جميعاً من وشائج وارتباطات -تغدو في حس العلماني وتصوره فوضى يسودها الانفصال والصداء والجفاء.. الدين يتناقض مع العلم، والفلسفة العقلية ترفض التشبث الطبيعي بالواقع الملموس والمذاهب الطبيعية لا تلزم نفسها بقيم خلقية أو إنسانية... وهكذا سلسلة من المصادمات التي لا تقتصر آثارها السيئة على العالم الخارجي فحسب، بل في أعماق الإنسان وتجربته الذاتية كذلك([1])». انتهى.

كلُّ هذا جعل أحد الشعراء ينشد أبياتًا من الشعر ينسج فيها خيوط الواقع الأليم، الذي تحياه الأمَّة الإسلامية اليوم فيقول:

مَا كَانَ فِي مَاضِي الزَّمَانِ مُحَرَّمًا   ...   لِلنَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مُبَاحُ

صَاغُوا نُعُوتَ فَضَائِلٍ لِعُيُوبِهِمْ   ...   فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَالإِصْلاَحُ

فَالْفَتْكُ فَنٌّ وَالخِدَاعُ سِيَاسَةٌ   ...   وَغِنَى اللُّصُوصِ بَرَاعَةٌ وَنَجَاحُ

وَالعُرْيُ ظُرْفٌ وَالفَسَادُ تَمَدُّنٌ   ...   وَالكِذْبُ لُطْفٌ وَالرِّيَاءُ صَلاَحُ

إن الحال الذي آلَ إليه واقع أمَّتنا، وجعلها تغرق فيه عقودًا طويلة، لن يغيِّره ما يكتب العلماء في مصنَّفاتهم فقط، ولا الأدباء في هجائهم ورثائهم، ولا ما تنشره الصحف والمجلاَّت من مقالات ساخنة، ولا ما يلقيه الوعَّاظ في وعظهم وتذكيرهم، أو الخطباء في حماسهم وإنذارهم، وإن كنَّا نؤمن أن ذلك كله من وسائل البناء والتغيير والإصلاح.

ولكن كل هذه الوسائل لن تجدي من الإصلاح والتغيير شيئًا، إن لم يكن لها ما يؤهِّلها من قواعد وأسس ترتكز عليها أولاً، وتعمل وتنطلق من خلالها، ومن ثَمَّ تستمدُّ قوَّتها، وتُعِيد بناءها، وترفع لواءها، وتستعيد مجدها وكرامتها المسلوبة منذ قرون.

السبب الخامس: أن مدار السعادة في الدنيا والآخرة قائم على الالتزام بهدي الكتاب والسنة، والاعتصام بحبلهما، وهذه السعادة إنما تكون لمن أرادها وبحث عنها في مظانها، وذلك لأن العبد إذا عرف ربه وآمن به حقًا، وصدق برسله يقينًا، فالواجب عليه أن يلتزم شرعه ودينه الذي أنزله، لتطيب حياته، ويسعد بعد مماته، كما قال عز وجل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى} [طه:123]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف:107].

وفي الحديث عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم»... «فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي». رواه البخاري.

وخلاصة القول أن السعادة الكاملة إنما تكون في التزام شرع الله تعالى ودينه، وما شرعه ودينه إلا الكتاب والسنة، فلكل هذه الأسباب ولغيرها أيضًا نعلم جيدًا لماذا نطالب بالعودة إلى هدى الكتاب والسنة المطهرة، وإلى تحكيم الشريعة في كل شئون حياتنا.

وإذا كنا مطالبين بالعودة الصحيحة إلى اتباع الكتاب والسنة في كل شئون حياتنا، فإن هذه العودة مقيدة بمنهج وفهم السلف الصالح للكتاب والسنة، لماذا؟ لأن هذه الدعوة التي نسعى إليها، ونؤمن بها، تحققت واقعاً عملياً، حتى أصبحت حياة أمة، ومنهج حياة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الأخيار رضي الله عنهم جميعًا، وعلى هذا الخطى النبوي والمنهاج الإسلامي السوي سار التابعون وتابعوهم بإحسان، فلزموا منهاج النبوة، وتمسكوا بحبل الكتاب والسنة، ونحن اليوم لا نجد بداً من سلوك هذا الطريق الذي سلكوا، والوقوف فيه حيث وقفوا، لأن الله تعالى مكن لهم بهذا المنهاج القويم، وأبدلهم بعد خوفهم أمناً، وبعد ذلهم عزًا، وبعد تفرقهم وحدةً وقوة، وأصبح لهم دولةٌ وصولة، وفتحوا أطراف الدنيا بما جاءهم من النور والهدى، وصاروا أعزةً فاتحين بهذا الدين.

نعم لا بد من هذا الطريق، لأنه على منهاج النبوة، ولأنهم صدر الأمة الذين صلح بهم أمر الدين، ولأن الأمة لا تمكن آخر الزمان إلا على هذا المنهاج، كما جاء في الحديث: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، فكان ولا بد لنا من دعوة على منهاج السلف الصالح.

 

*   *   *

([1])انظر: العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها، للشيخ سفر الحوالي.

 

   
 

 
 

  العودة إلى الخلف       

  اطبع هذه الصفحة

أضف هذا الموقع للمفضلة لديك