اطبع هذه الصفحة

الرئيسية » بحوث ومقالات الشيخ

القراءة في حياتنا وأهميتها

 الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله أجمعين. أما بعد:

هَجْر القراءة والكتب والعزوف عنها:

تكلمتُ يومًا مع أحد إخواننا المعلِّمين الطيبين في حوار طويل، وكان مما تطرَّقْنا إليه كلامنا عن القراءة وأهمية الكتاب في حياة الإنسان! فكانت المفاجأة أنه قال لي - وهو معلم أجيال في وزارة التربية والتعليم -: أنا لا أحب القراءة، ولا الكتب! فقلت: وما السبب أعزك الله؟ فقال: لا هواية لي فيها، وليس لدي قدرة للنظر والجلوس مع الكتاب فترة طويلة، وإذا قرأت كتابًا ما مرة، فإني أترك القراءة عشرات المرات! فقلت: وكيف لا تحب القراءة وأنت تعلِّم الأطفال والشباب في المدرسة؟! وهنا انتهى الحوار!

حقًّا آلمني هذا الموقف ومواقف أخرى شبيهة به، أن تجد أمثال هؤلاء الطيبين والمعلمين والمربين لا يحبون الكتب ولا يألفونها! ولا يعشقون القراءة ولا يتفرغون لها!

آلمني لا لأني أريد أن يقرأ كل الناس في كل الوقت، فهذا محال وغير واقعي أو منطقي، لكن المؤلم حقًّا أن أولئك الأفراد على قلة عددهم في مجتمعهم وبيئتهم - وهم القدوة للطلاب والشباب والأجيال والمجتمع - لا يحبون القراءة ولا الكتاب! ولا يسعون لتغيير أنفسهم وتشويقها للقراءة وإعلاء الهمة في تحصيلها! بل حتى بعض طلاب العلم قد انتقلت إليهم العدوى، ولم يعُدِ الواحد منهم صاحب همة عالية في القراءة والمطالعة كما كان سفلنا الصالح رضي الله عنهم، وقد أشار لمثل هذا الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - بقوله: "كانت هِمَم القدماء من العلماء عَلِيَّة، تدلُّ عليها تصانيفهم، التي هي زبدة أعمارِهم، إلا أن أكثر تصانيفهم دَثَرت؛ لأن هِمم الطلاب ضعُفت، فصاروا يطلبون المختصرات، ولا ينشطون للمطوَّلات، ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها، فدَثَرت الكتب ولم تُنسخ"؛ اهـ.

مع أن أولَ ما أنزل من القرآن على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-هو الأمر بالقراءة، الأمر بالعلم، الأمر بالفهم والبصيرة، ومعرفة الإنسان والكون؛ كما قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكفى بهذا شرفًا للعلم، أنْ أمَر نبيَّه أن يسأله المزيدَ منه"، وكذلك جاء في السنة النبوية والآثار المَرضيَّة الحثُّ على العلم وطلبه، والتفقه في الدِّين ومعرفته، ولا مِفتاح لكل ذلك إلا بالقراءة والتلقي للعلوم، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-في الصحيحين في حديث معاوية رضي الله عنه: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهْه في الدين))،وجاء في الحديث: ((مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سَهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ حديث حسن، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

فمِن هذه النُّصوص وغيرها نُدرك فضيلةَ طلب العلم والتفقُّه في مسائل الشريعة، وضرورة ذلك، وقد قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد: "يا كميلُ، العلمُ خَيْرٌ من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقُصُه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق".

إن الإنسانَ الذي لا يقرأ الكتاب، ولا يطالعه، ولا ينقب عنه، ولا يفتش عن دُرَرِه وفوائده وكنوزه بالقراءة والمطالعة، لهو محرومٌ أيَّما حرمان؛ لأن القراءة مفتاح العقل والفكر، ومفتاح العلوم النافعة، ومفتاح الحضارة الماجدة، ومفتاح السعادة والريادة للأفراد والأُمَم.

أما الذي يقرأ ويطالع، ويبحث ويفتش، فإنه يحصِّل كمًّا كبيرًا وعظيمًا من المعارف والعلوم والأفكار، كما يعرف التاريخ والوقائع والأشخاص والأحداث؛ لأنه يجول بفكره وعقله في زمان قد غبَر، وتاريخ قد سُطر، ويطالع سير العلماء، ونبوغ الأذكياء والنابهين، وشجاعة العظماء والفاتحين، وعظَمة المجاهدين، وأخلاق وصفاتِ العبَّاد والزاهدين والصالحين، يطالعها وكأنه معهم، يعايشهم وينظر إليهم، بل ويعرف مِن أخلاق وعواقب وعِبَر الطواغيت والظالمين، والفجَّار والمتجبرين، والحمقى والمغفلين، والعقلاء والمجانين، ما لا يعرفه فئامٌ مِن العالمين.

جاء في "الموسوعة العربية العالمية" أن: "القراءة هي عملية استخراج المعنى من الكلمات المطبوعة أو المكتوبة، وهي أساسية في التعلم، وإحدى المهارات المهمة في الحياة اليومية، والقراءة مفتاح لكل أنواع المعلومات، حيث تمكِّننا من معرفة كيف نبني الأشياء أو نصلحها، ونستمتع بالقصص، ونكتشف ما يؤمن به الآخرون، ونُعمل خيالنا، ونوسع دائرة اهتماماتنا، ونطور أفكارَنا ومعتقداتنا الخاصة، وقد يقرأ الناس مئات الكلمات بل آلافها في كل يوم، دون أن ينظروا في كتاب أو صحيفة أو مجلة، فهم - على سبيل المثال - يقرؤون رسائلهم البريدية ولوحات الشارع وتوجيهات المرور ولوحات الإعلانات التجارية والكلمات المكتوبة في الإعلانات التجارية التلفازية، والعبارات الملصقة على الطرود، وكثيرًا من الأشياء الأخرى التي تحتوي على كلمات، وتؤدي القراءة دورًا رئيسيًّا في الحياة اليومية لكثير من الناس؛ فالناسُ يقرؤون لوحات الطريق والخرائط ووصفات صُنع الأطعمة والبطاقات الملصقة على زجاجات الدواء والإرشادات المرفقة بالأدوات المنزلية الجديدة، كما يقرؤون استمارات ضرائب الدخل وطلب الوظائف والاقتراض ويقومون بملئها، وتسمى القدرة على القيام بمثل هذه الأنشطة المفيدة القراءةَ الوظيفية، أو التعلُّم الوظيفي"؛ اهـ.

والأهم من هذا ومع هذا كله، أن القراءة مطلب شرعي رباني، ومفتاح تلاوة القرآن الكريم، وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة التفسير والفقه واللغة والعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية والنافعة، وكيف لا والذي يقرأ كتاب الله ويجوِّده ويحفظه ويتقن ذلك كله هو الأجدر والأحقُّ بإمامة الناس والصلاة بهم؟! كما جاء عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنَّة، فإن كانوا في السنَّة سواءً، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً، فأقدمهم سنًّا، ولا يؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرِمَتِه إلا بإذنه))؛ رواه مسلم.

وكيف لا تكون القراءةُ بهذه الأهمية والاجتماعُ على قراءة القرآن وتلاوته مطلبٌ شرعي انتدبنا إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟!كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكينةُ، وغشِيَتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ رواه مسلم.

نعم، قد يُعذَرُ البعض بالانشغال عن القراءة بعض الوقت لأسباب قاهرة أو ملحة، لكن لا يُعذَر بتركها كل الوقت؛ لأن تنظيم الأوقات من أكبر العوامل المساعدة على إنجاز الأعمال الكبار، وكذلك على القراءة والبحث والمطالعة لكل جديد ومفيد في الدِّين والدنيا معًا، وإنها لمفارقة أن تجد أعداء الإسلام والعلمانيين وأصحاب الفكر والمذاهب الهدامة والتيارات المنحرفة لا يكِلُّون ولا يمَلُّون من المطالعة والبحث والكتابة، فتجد مؤلفاتهم وكتبهم تملأ الأسواق، ومقالاتهم تغطي الصحف والمجلات والجرائد، ويتناولون مواضيعَ مهمة، ويتطرقون لأبحاث جديدة.. فيبدو وكأنهم روَّاد الحضارة والثقافة العربية المعاصرة.

إن الأمر يحتاج حقيقةً إلى وقفة من الكثير منا مع النفس، ليقف معها وقفة جادَّة، لم لا أقرأ؟ لم لا أحب القراءة والكتاب؟ لماذا أهاب القراءة؟ هل هو أمر جاء بالعادة والانشغال في أمور المعاش والحياة؟ أم هو عدم إلف الكتاب والمطالعة؟ أم هناك عقبات أخرى كغلاء أسعار الكتب ونحو ذلك؟ هذه أسئلة بديهية للنفس، ثم بعد الجواب عنها - بجدٍّ وصدق - يمكن معرفة الأسباب المانعة من القراءة ومطالعة الكتب، ومِن ثم يمكن - بسهولة - البحثُ أو إيجاد حلول نافعة مشوقة لها بإذن الله.

مِن عوامل هَجْر القراءة والكتب:

وإن المتأمل في عزوف كثير من الناس عن القراءة والكتاب يجدُ أن لهذا أسبابًا، بيَّنها غير واحد من أهل العلم والفضل، منها على سبيل المثال[1]:

1 - منهج التعليم والأسلوب التربوي الخاطئ في المدارس والبيوت، المحشو بكثرة المعلومات، وإجبار الطلاب على الحفظ وملء دماغه بمعلومات مفيدة أو غير مفيدة، وجعل ذلك أصلًا ومقياسًا للنجاح أو التفوق يخلُقُ نوعًا من الكراهية والملل والضجر من القراءة وحب البحث، وغياب البحث العلمي وأسلوب تنمية التفكير والمشاركة لكل ما يلائمه، وإعطاء الأطر العامة، وترك الخيار والتشجيع للطلاب بالحب الذاتي والرغبة الداخلية للبحث العلمي.

2- طبيعة البيئة التي نعيشها والرواسب السلبية الراسخة منذ عهد الانحدار الفكري والخُلقي والعلمي، إضافة لتأثيرات رواسب الاستعمار الغربي الفكري والثقافي والاجتماعي على مجتمعاتنا.

3 - التركيز والتصويب نحو هدف وغاية العلم والحياة: هو رغد العيش ورفاهية الحياة، وليس هدفًا ساميًا.. خلَق في نفوس الكثير اللامبالاة، وضعف الإحساس، وفقدان أهمية الوقت وأهمية العلم.

4 - انعدام المسؤولية، مسؤولية حمل الرسالة وحمل الأمانة والنهضة بالأمة النهضة السليمة التي أوكلت إلينا، كما يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، ومتى فقدت الأمة مسؤوليتها فقُلْ عليها السلام!

5 - نوعية ما يوجد في الأسواق وما يكتب في الصحف وما يوجد في وسائل الإعلام، تنفر الفرد من الإقدام، وهناك أسباب أخرى؛ كطول بعضِ الكتب، أو رداءة طباعتها، أو غير ذلك من الأسباب التي لا تخفى على البعض.

الطريق إلى القراءة والإفادة:

حتى نستطيع الخروج من هذه المشكلة فعلينا أن نسعى لتغيير أنفسنا نحو الأفضل، والارتقاء بها وتشويقها للقراءة بين الحين والحين، وإيجاد العوامل والأسباب المناسبة لها، ومِن ذلك:

1 - معرفة فضل القراءة عامة وطلب العلم والتعلم في القرآن والسنَّة، وما فيها من عظيم الأجر والثواب الجزيل، وسماع ذلك أيضًا من خلال أشرطة ومحاضرات أهل العلم، وكذلك معرفة فضل الكتاب ومكانته في حياتنا، فإن الكتاب جارٌ بارٌّ[2]، ورفيق مطاوع، لا يعصيك أبدًا، ومعلم خاضع، هل رأيت معلمًا يخضع للتلميذ؟ كذلك الكتاب يخضع للقارئ، وصاحب كفء، وشجرة معمرة، دائمًا مثمرة، يجمع الحِكم الحسنة والعقول الناضجة، وأخبار القرون الماضية، والبلاد المترامية، يجلو العقل، ويشحَذ الذهن، ويوسِّع الأفق، ويقوي العزيمة، ويؤنِس في الوحشة، يُفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ.

نعم الأنيسُ إذا خلوتَ كتاب ..  تلهو به إن خانك الأصحابُ

لا مفشيًا سرًّا إذا استَوْدَعْتَه   .....  وتُنالُ منه حكمةٌ وصوابُ

وقال الشاعر:

أعزُّ مكان في الدنى سرج سابح ......  وخيرُ جليس في الزمانِ كتابُ

وقال ثالث:

وخيرُ جليسِ المَرْء كُتْبٌ تفيده ........... علومًا وآدابًا كعقلٍ مؤيد

وخالِطْ إذا خالطتَ كلَّ موفق  ....... مِن العلما أهل التُّقى والتعبُّد

يُفيدك مِن علمٍ وينهاك عن هوًى  .. فصاحِبْه تُهْدَى مِن هداه وترشُدِ

وهذا الجاحظ ينقل عنه قوله: الكتاب هو الجليسُ الذي لا يُطرِيك، والصديقُ الذي لا يُغرِيك، والرفيقُ الذي لا يَمَلُّك، والمستميحُ الذي لا يستريثك، والجارُ الذي لا يستبطيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملقِ، ولا يعاملُك بالمَكْر، ولا يخدعُك بالنفاق، ولا يحتالُ لك بالكذِبِ.

هذه الكتب لا تعترف بالفواصل الزمانية ولا المكانية، ولا الحدود الجغرافية، فيستطيع القارئ أن يعيش في كل العصور، وفي كلِّ الممالك والأقطار، وأن يصاحِب العظماء وأعمالهم، وإن استغرقت أعوامًا، و تأمل حال المسلم عندما يقرأ قصص الأنبياء في القرآن الكريم، أين عاشوا؟ في بلاد متباعدة، متى عاشوا؟ في أزمنة متطاولة قديمة جدًّا، ومع ذلك يقرأ قصة موسى وفرعون كأنه يعيش معهم، وكذا إبراهيم، وكذا هود، وصالح وآدم وغيرهم من الأنبياء والصالحين في القرآن والسنَّة، نقرأ أخبارهم كأننا نعيش معهم، كيف أتتنا إلا بالكتاب! فشأنه عظيم جدًّا، وبعض الناس يجمع الكتب ولكن لا يقرأ فيها ولا يحصل منها شيئًا، قال الشاعر في شأن هؤلاء:

عليك بالحفظِ دون الجَمْع في كُتُبٍ ........ فإن للكُتْب آفاتٍ تفرِّقُها

الماءُ يُغرقها والنار تُحرقها  ...........  والفأر يخرقها واللصُّ يسرِقها

♦ ♦ ♦

إذا لم تكُنْ حافظًا واعيًا ............. فجمعُك للكُتْب لا ينفَع

وتحضر بالجهلِ في مجلس  .......  وعلمك في البيتِ مستودَعُ

2 - البَدْء بالكتب السهلة اليسيرة، التي تحتوي على المواضيع المختصرة المفيدة في حياة الإنسان؛ ككتب العقيدة مثلًا المختصرة، وكتب العبادات، والذِّكر والتسبيح، وقصص الأنبياء والصحابة وغيرها.

3 - تسجيل الكلمات أو المعاني التي يقع فيها إشكالاتٌ عند القراءة، ثم سؤال أصحاب العلم وطلابه عنها لرفعها وفهمها جيدًا.

4 - القراءةُ في مكان هادئ يساعد على تركيز الفكر أثناء القراءة، وعدم شروده هنا وهناك، لنخرج بالثمرةِ الطيبة والفائدة المرجوَّةِ بإذن الله.

5 - مصاحَبة ومجالَسة مَن لهم قراءة مثلك ومطالعة في الكتب، فإن هذا مِن العوامل المشوِّقة لحصول التنافس المطلوب، والاطلاع الجيد على المعلومات مِن مصادرها الموثوقة.

6 - تكوين مكتبة، ولو صغيرة، بشراء كتاب أو عدة كتب غير مكلفة أول الأمر، مما يفيد ويهم المسلم في العقيدة؛ كـ: "الأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد، وعقيدة أهل السنة والجماعة"، والتفسير؛ كـ: "التفسير الميسر" للقرآن الكريم، والحديث؛ كـ: "الأربعين النووية"، و "رياض الصالحين"، والسيرة النبوية؛ كـ: "مختصر السيرة النبوية"، أو "الرحيق المختوم"، والفقه والأخلاق والآداب؛ كـ: "مِنهاج المسلم"، و "مختصر منهاج القاصدين"، وغيرها مِن الكتب النافعة والمختصرة المفيدة.

7 - مُطالعة قصص السلف الصالح مِن الصحابة والتابعين، والعلماء والفقهاء والمُحدِّثين، لمعرفة علوِّ همتهم في قراءة الكتب وجمعها، والرحلة في طلب العلم وفضلها، وقد ذكر السخاويُّ في ترجمة الشيخ إبراهيم بن محمد بن صدِّيق الحريري: أنه لما جاور بمكة والمدينة، أقرأ البخاري أربع مرات بالمدينة، وبمكة أزيد مِن عشرين مرة، وهذا الحافظ أبو الحجاج المِزي يقرأ المعجم الكبير للطبراني بحضور الحافظ البرزالي في ستين مجلسًا، وقال الحافظ ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تكاد نفسُه تشبَع مِن العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تملُّ من الاشتغال، ولا تكِلُّ مِن البحث، وقَلَّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاق أهله.

وقال الإمام ابن القيم: وحدَّثني شيخنا - يعني ابنَ تيمية - قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبِرُ على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليستِ النفسُ إذا فرِحَتْ وسُرَّت قَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا.

وذكَر الذهبي في ترجمة المحدِّث المعمَّر أبي محمد عبدالله بن محمد الحَجْري الأندلسي: أن الحافظ أبا عبد الله بن الأبَّار قرأ عليه صحيحَ مسلم في ستة أيام، وذكر ياقوت الحموي في ترجمة الجاحظ قال: وحدَّث أبو هِفَّان قال: لم أرَ قط ولا سمعتُ مَن أحبَّ الكتبَ والعلومَ أكثر من الجاحظ؛ فإنه لم يقع بيده كتابٌ قطُّ إلا استوفى قراءتَه كائنًا ما كان، حتى إنه كان يَكْتري دكاكين الورَّاقين ويبيتُ فيها للنظر، والفتح بن خاقان؛ فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكِّل، فإذا أراد القِيام لحاجةٍ أخرجَ كتابًا من كُمِّه أو خفِّه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حِين عَوْده إليه حتى في الخلاء، وإسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فإني ما دخلتُ إليه إلا رأيتُه يَنظر في كتابٍ، أو يُقلب كتبًا أو ينقضها[3].

نشر في شبكة الألوكة

_________________

[1] مجلة البيان (ع 37 /1411هـ).

[2] كيف تقرأ كتابًا؟ للشيخ المنجد بتصرف.

[3] للمزيد انظر "المشوق للقراءة" لعلي العمران.

   
 

 
 

  العودة إلى الخلف       

  اطبع هذه الصفحة

أضف هذا الموقع للمفضلة لديك